من خطبة لفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى في بدع شهر رجب :
إننا أيها المسلمون في شهر رجب أحد الأشهر الأربعة الحرم التي قال الله فيها " مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ "(التوبة: من الآية36)" فلا تظلموا فيهن أنفسكم" والتي حرّم الله تعالى فيها القتال إلا مدافعةً عن النفس هذه الأشهر التي أحدها رجب ليست مخصوصةً بشيءٍ معينٍ من العبادات إلا شهر المحرم فإن فيه فضلاً صيامه وشهر ذي الحجة فإن فيه أداءً النسك أما رجب فإنه فلم يرد في تخصيصه بصيامٍ ولا قيام لم يرد حديثٌ صحيحٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم كل الأحاديث الواردة في فضل الصلاة في رجب أو في فضل الصيام في رجب كلها أحاديث ضعيفة جداً
بل قد قال بعض العلماء إنها موضوعةٌ ومكذوبةٌ على النبي صلى الله عليه وسلم فلا يحل لأحد أن يعتمد على هذه الأحاديث الضعيفة بل التي قيل إنها موضوعة لا يحل لأحد أن يعتمد عليها فيخص رجب بصيامٍ أو صلاة؟ لأن ذلك بدعة
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (كل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار)
ولقد سمعت أن بضع الأخوة الوافدين إلى بلادنا صاموا يوم أمس لأنه أول يومٍ من رجب وهؤلاء قد يكونون معذورين لكون هذا معروفاً عندهم في بلادهم ولكنني أقول لهم إن هذا بدعة وإنه لا يجوز لأحدٍ أن يخصّص زماناً أو مكاناً بعبادة لم يخصّصها الله ورسوله بها لأننا نحن متعبدون بشريعة الله لا بأهوائنا ولا بميولنا وعواطفنا إن الواجب علينا أن نقول سمعنا وأطعنا نفعل ما أمر الله به ونترك ما نهى الله عنه ولا نشرّع لأنفسنا عباداتٍ لم يشرعها الله ورسوله إنني أقول لكم مبيناً الحق إن شهر رجب ليس له صلاةٌ تخصه لا في أول ليلة جمعة منه وليس له صيامٌ يخصه في أول يومٍ منه ولا في بقية الأيام وإنما هو كباقي الشهور فيما يتعلق بالعبادات وإن كان هو أحد الأشهر الأربعة الحرم وأنسوا ما قيل فيه من الأحاديث الضعيفة ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا دخل شهر رجب: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان
ولكن هذا أيها الأخوة وأسمعوا ما أقول هذا حديثٌ ضعيفٌ منكر لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يدعو بهذا الدعاء لأنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما قلته لكم لأنه يوجد في بعض أحاديث الوعظ يوجد هذا الحديث فيها ولكنه حديثٌ لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم
أيها المسلمون إن في ما جاء في كتاب الله وفي ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأعمال الصالحة كفايةً عما جاء في أحاديث ضعيفة أو موضوعةٍ مكذوبةٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الإنسان إذا تعبّد لله بما ثبت أنه من شرع الله فقد عبد الله على بصيرة يرجو ثواب الله ويخشى عقابه اللهم إنا نسألك أن ترزقنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً ورزقاً طيباً واسعاً وذريةً طيبةً يا رب العالمين
اللهم علّمنا ما ينفعنا وأنفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا رب العالمين ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ..
س : يخص بعض الناس شهر رجب ببعض العبادات كصلاة الرغائب وإحياء ليلة ( 27 ) منه فهل ذلك أصل في الشرع؟ جزاكم الله خيرا
أجاب الشيخ عبد العزيز بن باز
ج : تخصيص رجب بصلاة الرغائب أو الاحتفال بليلة ( 27 ) منه يزعمون أنها ليلة الإسراء والمعراج كل ذلك بدعة لا يجوز ، وليس له أصل في الشرع ، وقد نبه على ذلك المحققون من أهل العلم ، وقد كتبنا في ذلك غير مرة وأوضحنا للناس أن صلاة الرغائب بدعة ، وهي ما يفعله بعض الناس في أول ليلة جمعة من رجب ، وهكذا الاحتفال بليلة ( 27 ) اعتقادا أنها ليلة الإسراء والمعراج ، كل ذلك بدعة لا أصل له في الشرع ، وليلة الإسراء والمعراج لم تعلم عينها ، ولو علمت لم يجز الاحتفال بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بها ، وهكذا خلفاؤه الراشدون وبقية أصحابه رضي الله عنهم ، ولو كان ذلك سنة لسبقونا إليها .
والخير كله في اتباعهم والسير على منهاجهم كما قال الله عز وجل : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد متفق على صحته ، وقال عليه الصلاة والسلام : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد أخرجه مسلم في صحيحه ومعنى فهو رد أي مردود على صاحبه ، وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبه : أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة أخرجه مسلم أيضا .
فالواجب على جميع المسلمين اتباع السنة والاستقامة عليها والتواصي بها والحذر من البدع كلها عملا بقول الله عز وجل : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } وقوله سبحانه : { وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } وقول النبي صلى الله عليه وسلم : الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم أخرجه مسلم في صحيحه .
أما العمرة فلا بأس بها في رجب لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب وكان السلف يعتمرون في رجب ، كما ذكر ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه : ( اللطائف ) عن عمر وابنه وعائشة رضي الله عنهم ونقل عن ابن سيرين أن السلف كانوا يفعلون ذلك . والله ولي التوفيق .
نشرت في ( مجلة الدعوة ) العدد رقم ( 1566 ) في جمادى الآخرة 1417 هـ .
المصدر : موقع الشيخ ابن باز
منقول