زهرة برية --
عدد المساهمات : 5 تاريخ التسجيل : 12/06/2010
| موضوع: من أسرار الترتيب في القرآن الكريم الأربعاء 23 يونيو - 2:54 | |
| السلام عليكم ورحمة الله
في أسرار الترتيب في القرآن
قال ابن القيم في بدائع الفوائد : ( قال سيبويه الواو لا تدل على الترتيب ، ولا التعقيب ، تقول صمت رمضان وشعبان ، وإن شئت شعبان ورمضان ، بخلاف الفاء ، وثم ، إلا أنهم يقدمون في كلامهم ما هم بـه أهم ، وهم ببيانه أعنى ، وإن كانا جميعا يهمانهم ويعنيانهم ) هذا لفظه.
قال السهيلي : وهو كلام مجمل يحتاج إلى بسط ، وتبيين ، فيقال : متى يكون أحد الشيئين أحق بالتقدم ، ويكون المتكلم ببيانه أعنى؟
قال : والجواب أن هذا الأصل يجب الإعتناء بــه لعظم منفعته في كتاب الله ، وحديث رسوله ، إذ لا بد من الوقوف على الحكمة في تقديم ما قدم ، وتأخير ما أخر.
نحو : السميع والبصير ، والظلمات والنور ، والليل والنهار، والجن والإنس
في الأكثر ، وفي بعضها الإنس والجن ، وتقديم السماء على الأرض في الذكر ، وتقديم الأرض عليها في بعض الآي، ونحو سميع عليم ، ولم يجيء عليم سميع ، وكذلك عزيز حكيم ، وغفور رحيم ، وفي موضع واحد الرحيم الغفور، إلى غير ذلك مما لا يكاد ينحصر .
وليس شيء من ذلك يخلو عن فائدة وحكمة ، لأنه كلام الحكيم الخبير ، وسنقدم بين يدي الخوض في هذا الغرض أصلا يقف بك على الطريق الأوضح ،
فنقول : إن تقديم الألفاظ في اللسان على حسب تقدم المعاني في الجنان .
تتقدم المعاني بأحد خمسة أشياء : إما بالزمان ، وإما بالطبع ، وإما بالرتبة ، وإما بالسبب ، وإما بالفضل والكمال.
فإذا سبق معنى من المعاني إلى الخفة والثقل بأحد هذه الأسباب الخمسة ، أو بأكثرها ، سبق اللفظ الدال على ذلك المعنى السابق ، وكان ترتب الألفاظ بحسب ذلك، نعم ، وربما كان ترتب الألفاظ بحسب الخفة والثقل ، لا بحسب المعنى ، كقولهم ربيعة ومضر ، وكان تقديم مضر أولى من جهة الفضل ، ولكن آثروا الخفة لأنك لو قدمت مضر في اللفظ كثرت الحركات ، وتوالت ، . فلما أخرت وقف عليها بالسكون
قلت : ومن هذا النحو الجن والإنس ، فإن لفظ الإنس أخف لمكان النون الخفيفة ، والسين المهموسة ، فكان الأثقل أولى بأول الكلام من الأخف لنشاط المتكلم وجمامه ، وأما في القرآن فلحكمة أخرى سوى هذه قدم الجن على الإنس في الأكثر ،والأغلب ، وسنشير إليها في آخر الفصل إن شاء الله.
أما ما تقدم بتقدم الزمان فكعاد وثمود ، والظلمات والنور ، فإن الظلمة سابقة للنور في المحسوس والمعقول ، وتقدمها في المحسوس معلوم بالخبر المنقول ، وتقدم الظلمة المعقولة معلوم بضرورة العقل.
قال سبحانه : ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ) ، فالجهل ظلمة معقولة ، وهي متقدمة بالزمان على نور العلـم ، ولذلك قال تعالــى : ( في ظلمات ثلاث ) ، فهذه ثلاث محسوسات ظلمة الرحم ، وظلمة البطن ، وظلمة المشيمة ، وثلاث معقولات : وهي عدم الإدراكات الثلاثة المذكورة في الآية المتقدمة ، وفي الحديث إن الله خلق عباده في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره ،
ومن المتقدم بالطبع نحو ( مثنى ، وثلاث ، ورباع) ، ونحو : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ..الآية ) وما يتقدم من الأعداد بعضها على بعض ، إنما يتقدم بالطبع كتقدم الحيوان على الإنسان والجسم على الحيوان.
ومن هذا الباب تقدم العزيز على الحكيم، لأنه عز فلما عز حكم ، وربما كان هذا من تقدم السبب على المسبب ، ومثله كثير في القرآن نحو ( يحب التوابين ويحب المتطهرين ) لأن التوبة سبب الطهارة ، وكذلك : ( كل أفاك أثيم الشعراء )، لأن الإفك سبب الإثم ، وكذلــــك : ( كل معتد أثيم ) .
وأما تقدم هماز على مشاء بنميم ، فبالرتبة لأن المشي مرتب على القعود في المكان ، والهماز هو العياب ، وذلك لا يفتقر إلى حركة وانتقال من موضعه بخلاف النميمة.
وأما تقدم منّاع للخير على معتد ، فبالرتبة أيضا لأنّ المناع يمنع من نفسه ،والمعتدي يعتدي على غيره ونفسه قبل غيره.
ومن المقدم بالرتبة : ( يأتوك رجالا وعلى كل ضامر ) ، لأن الذي يأتي راجلا يأتي من المكان القريب ، والذي يأتي على الضامر يأتي من المكان البعيد ، على أنه قد روي عن ابن عباس أنه قال : وددت أني حججت راجلا ، لأن الله قدم الرجالة على الركبان في القرآن الكريم ، فجعله ابن عباس من باب تقدم الفاضل على المفضول، والمعنيان موجودان.
وربما قدم الشيء لثلاثة معان ، وأربعة ، وخمسة ، وربما قدم لمعنى واحد من الخمسة ، ومما قدم للفضل ، والشرف ، ( فاغسلوا وجوهكم ، وأيديكم إلى المرافق ، وامسحوا برؤوسكم ، وأرجلكم) .
وقوله : ( النبيين والصديقين) ومنه تقديم السميع على البصير ، وسميع على بصير ،
ثم قال في بدائع الفوائد : ( وأما تقديم السماء على الأرض فبالرتبة أيضا ، وبالفضل والشرف ، وأما تقديم الأرض في قوله : ( وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ) فبالرتبة أيضا لأنها منتظمة بذكر ما هي أقرب إليه ، وهم المخاطبون بقوله : ( ولا تعملون من عمل ) ، فاقتضى حسن النظم تقديمها مرتبة في الذكر مع المخاطبين الذين هم أهلها ، بخلاف الآية التي في سبأ ، فإنها منتظمة بقوله : ( عالم الغيب ) ،
وأما تقديمه المال على الولد في كثير من الآي فلأن الولد بعد وجود المال نعمة ومسرة ، وعند الفقر وسوء الحال هم ومضرة ، فهذا من باب تقديم السبب على المسبب ، لأن المال سبب تمام النعمة بالولد.
وأما قوله : ( حب الشهوات من النساء والبنين ) ، فتقديم النساء على البنين بالسبب، وتقدم الأموال على البنين بالرتبة ، ومما تقدم بالرتبة ذكر السمع والعلم ، حيث وقع فإنه خبر يتضمن التخويف والتهديد فبدأ بالسمع لتعلقه، بما قرب كالأصوات وهمس الحركات ، فإن من سمع حسك ، وخفى صوتك ، أقرب إليك في العادة ، ممن يقال لك أنه يعلم ، وإن كان علمه تعالى متعلقا بما ظهر ، وبطن ، وواقعا على ما قرب ، وشطن ، ولكن ذكر السميع أوقع في باب التخويف من ذكر العليم فهو أولى بالتقديم.
وأما تقديم الغفور على الرحيم ، فهو أولى بالطبع لأن المغفرة سلامة ، والرحمة غنيمة ، والسلامة تطلب قبل الغنيمة ، وفي الحديث أن النبي قال لعمرو بن العاص : ( أبعثك وجها يسلمك الله فيه ويغنمك وأرغب لك رغبة من المال ) ، فهذا من الترتيب البديع بدأ بالسلامة قبل الغنيمة وبالغنيمة قبل الكسب.
وأما قوله : ( وهو الرحيم الغفور ) في سبأ ، فالرحمة هناك متقدمة على المغفرة ، فإما بالفضل والكمال ، وإما بالطبع لأنها منتظمة بذكر أصناف الخلق من المكلفين ، وغيرهم من الحيوان ، فالرحمة تشملهم ، والمغفرة تخصهم، والعموم بالطبع قبل الخصوص ، كقوله : ( فاكهة ونخل ورمان ) ، وكقوله : ( وملائكته ورسله وجبريل وميكال) ،
ومما قدم بالفضل قوله واسجدي واركعي مع الراكعين ) لأن السجود أفضل وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
فإن قيل : فالركوع قبله بالطبع والزمان ، والعادة لأنه انتقال من علو إلى انخفاض ، والعلو بالطبع قبل الإنخفاض فهلا قدم الركوع.
الجواب أن يقال : انتبه لمعنى الآية من قوله اركعي مع الراكعين ، ولم يقل اسجدي مع الساجدين، فإنما عبر بالسجود عن الصلاة ، وأراد صلاتها في بيتها ، لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها مع قومها ، ثم قال لها اركعي مع الراكعين ، أي صلي مع المصلين في بيت المقدس ، ولم يرد أيضا الركوع وحده دون أجزاء الصلاة ، ولكنه عبر بالركوع عن الصلاة ،كما تقول ركعت ركعتين وأربع ركعات يريد الصلاة ، لا الركوع بمجرده ، فصارت الآية متضمنة لصلاتين صلاتها وحدها عبر عنها بالسجود ، لأن السجود أفضل حالات العبد ، وكذلك صلاة المرأة في بيتها أفضل لها ، ثم صلاتها في المسجد عبر عنها بالركوع ، لأنه في الفضل دون السجود ، وكذلك صلاتها مع المصلين دون صلاتها وحدها في بيتها ، ومحرابها ، وهذا نظم بديع وفقه دقيق وهذه نبذ تسير بك إلى ما وراءها ترشدك وأنت صحيح .
| |
|
حور الجنة 3 --
عدد المساهمات : 30 تاريخ التسجيل : 20/07/2010
| موضوع: رد: من أسرار الترتيب في القرآن الكريم الخميس 22 يوليو - 9:37 | |
| | |
|